Friday, January 4, 2008

قصيدة في الحانة القديمة - مظفر النواب

في هذه التدوينة سيتم عرض القصيدة المشهورة "في الحانة القديمة" للشاعر مظفر النواب والجديد الذي أقدمه هنا هو عرض الصيغ المختلفة للنص الشعري والذي أعتقد شخصيا أن الاختلاف في الصيغ يخدم غرضا ربما يكون تاريخيا ومرحليا وربما يكون أدبيا أو غير ذلك وهنا أنوه الى الحاجة الملحة لدراسة هذا التغيير في النص دون الجوهر طبعا من نقاد الأدب المختصين في العالم العربي وأتمنى أن يحصل ذلك ونراه قريبا
النص الأول هو الأكثر تداولا حيث نجده في الأعمال الكاملة للشاعر وبتسجيلات صوتية منتشرة ونرجح أنه النص الأصلي الأقدم من حيث تاريخ كتابته
يليه النص الثاني والذي قمت بكتابته من الاستماع الى التسجيل الصوتي الملقى في أمسية في ليبيا في أواخر التسعينيات من القرن الفائت
ثم يليه النص الثالث والأخير لدي وكسابقه كتبته عبر الاستماع للتسجيل الصوتي الملقى في أمسية في قصر الأونسكو بلبنان عام 2000
وهذا كل ما لدي عن هذه القصيدة وأرجو ممن يستطيع الاضافة أو التصحيح أن يخبرني وسأكون ممتناً له












ويمكن الاستماع لقصيدة في الحانة القديمة - التسجيل الأول - وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


في الحانة القديمة


المشرب ليس بعيداً.. ما جدوى ذلك
أنت كما الاسفنجة تمتص الحانات
ولا تسكر
يحزنك المتبقي من عمر الليل بكاسات الثملين
لماذا تركوها؟
هل كانوا عشاقاً؟
هل كانوا لوطيين بمحض إرادتهم كلقاءات القمة؟
هل كانت بغي ليس لها أحد
في هذي الدنيا الرثة؟
لو كنت هنا خبأت بسترتك التاريخية رغبتها
وهمست بدفء في رئتيها الباردتين..
أيقتلك البرد؟
أنا يقتلني نصف الدفء.. ونصف الموقف أكثر
سيدتي.. نحن بغايا مثلك
يزني القهر بنا.. والدين الكاذب.. والفكر الكاذب..
والخبز الكاذب..
والأشعار.. ولون الدم يزور حتى في التأبين رماديا
ويوافق كل الشعب.. او الشعب
وليس الحاكم أعور
سيدتي.. كيف يكون الإنسان شريفاً
وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان
والقادم أخطر
نوضع في العصارة كي يخرج منا النفط
نخبك.. نخبك سيدتي
لم يتلوث منك سوى اللحم الفاني
فالبعض يبيع اليابس والأخضر
ويدافع عن كل قضايا الكون
ويهرب من وجه قضيته
سأبول عليه وأسكر.. ثم أبول عليه وأسكر
ثم تبولين عليه ونسكر
المشرب غص بجيل لا تعرفه.. بلد لا تعرفه
لغة.. كركرة.. وأمور لا تعرفها
إلا الخمرة بعد الكأس الأولى تهتم بأمرك
تدفئ ساقيك الباردتين
ولا تعرف أين تعرفت عليها منذ زمان
يهذي رأسك بين يديك
بشيء يوجع مثل طنين الصمت
يشاركك الصمت كذلك
بالهذيان.. وتحدق
في كل قناني العمر لقد فرغت
والنادل أطفأ ضوء الحانة عدة مرات
لتغادر
كم أنت تحب الخمرة.. واللغة العربية.. والدنيا
لتوازن بين العشق وبين الرمان
هذى الكأس واترك حانتك المسحورة
يا نادل لا تغضب فالعاشق نشوان
املأها حتى تتفايض فوق الخشب البني
فما أدراك لماذا هذي اللوحة للخمر..
وتلك لصنع النعش.. وأخرى للإعلان..
املأها علنا ... يا مولاي
عفواً يا مولاي فما أخرج من حانتك الكبرى
إلا منطفأً سكران
أصغر شيء يسكرني في الخلق فكيف الإنسان
سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل
وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان
وقنعت يكون نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير
ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان.. وتعود إليها
وأنا ما زلت أطير.. فهذا الوطن الممتد من البحر الى البحر
سجون متلاصقة
سجان يمسك سجان....












ويمكن الاستماع لقصيدة في الحانة القديمة - التسجيل الثاني - وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


فِي الحانَةِ القَديمَة

المَشْرَبُ ليسَ بعيداً
ما جَدوى ذلـكَ..؟
أنتَ كما الإسْـفـَنجَةِ
تَمْتـَصُّ الحاناتِ ولا تسْكـَر
تُحْزِنُكَ التـَّركـاتُ بكـاسـاتِ الثـََّمِلينَ
أكانـوا عُشـَّاقاً مُبتـدِئـين
وحيـداً...
عَشـقَ الأيامَ وطَلـََّقـَها
أو بِضْعَ لُواطييـن
احْـتـَفـَلوا كـلقـاءاتِ القِمـةِ
واخْتصَـروا المحضَر..
أو بغـيٌ تَتَدفـَّؤُ
لو أنـتَ دَنَوْتَ
وأدفأتَ يديْـها البارِدَتـَيْـن..
أَيقـتلـكِ البَـرْدُ..؟
أَنا يَقْـتلـُني نِـصْفُ الدِّفْءِ
ونِـصْفُ المَوْقِـفِ أَكْـثَـر
سيِّدَتي علَناً أنت
ونَـحْـنُ زٍِنـا القَـلبِ يشَـوهِّـنا
ما عُـذر زِِنا المِلـح ؟
عُـذرِ السُّـكـََّـرِ أنَّ السُّـكـََّـر سـُكـََّـر
خَلـْفَ زُجـاجِ الحَانَةِ
أُسْتٌ ذو أُسْتينِ يُراقبُـنا
دُسِّي في جَيبي شيئاً نُرْبـكـُهُ
نثيـرُ شَهـيَّـتـَه وشَهِـيتَـنا
نَخـْبَ الشَّـيْء ..
سيكـتـُـبُ فيـنا مَلـْزَمةً
لا يكفي
احتضِـنيـني
سأُكَـتـِّبـُهُ ابن الكلبةِ هذي الليلةَ دَفـتـر
أنتِ تبيعين الخُرْدَةَ سيدتي في خَجَـلٍ
والسيدُ ذاك
عَرفتِ السيدَ ذاك..؟
يبيعُ البيتَ ويزْأَر
ويدافِـعُ عَـن كـُـل قَـَـضايا الكَـون
ويهْـربُ مِـن وجْـهِ قَـضيته
سأَبـولُ عليه وأسْـكَـر
ثُـمَّ أَبـولُ عَليه وأَسْـكـر
ثُـمّ تَبـولينَ عَلَيْه ونَسْـكـر
المشرب غَـصَّ بجـيـلٍ لا تَعْـرِفـُهُ
ثرثَـرتَين تَـحيكان قَـَميصا لا تَعْـرِفُـهُ
كَرْكـرَةً جَرحَتْـك بصُبـغِ أَظـافِـرِها
لا تَسْــأل عـن كُـرسِـيـكَ إلا القِـنِّـيـنةُ
أين تـََعَـرَّفْـتَ عليها ...
أيَّ زمَـان ..؟
يهذي بيـنَ يديْـكَ صُداعُـكَ..
أيامُـكَ...
بعضُ أوراقِ الحَـظِّ
وشيءٌ آخَـرُ لا تعْـرِفُـه
يدْخُـلُ في كـُلِّ خُـطوطِ الهذيان
أُحدِّقُ...
كُـل قَنـاني العُمْرِ لقد فَـرغَت..
والنادلُ أطفَـأَ عِـدَّةَ مَـرات لِتُغـادِر
كَمْ أنْـتَ تُـحِب الخمرةَ والعربية والرمان
هذي الكأسُ
وأتـْرُكُ حانتـَكَ المسحورةَ يا نادل
لا تغضَبْ فالعاشقُ نـَشْـوان
املأها حتى تتفـايضَ فوقَ الخشَبِ البـُنـّي
فما أدراكَ لماذا الـلوحَـةُ هذي للخمرِ
وتلك لصنعِ النـَّعـْش
وأخرى للإعـلان
املأها عَلنا يا مَولاي
فـَما أخْرُجُ من حـانـَتِـك الكبرى
إلا مُنطَفِـأً سكـْران
أصْغـَر ما في خـَلقـك يسْـكِرُني مولاي
فكيف الإنـْسان..!!
سبـْحانـك كُـل الأشياء رَضيتُ
سوى الـذُّلِّ
وأنْ يوضَعَ قلـْبيَ في قـَفص
في بيت السـُلطان
وقـَنعتُ نصيبيَ في الدنيا كنـَصيبِ الطير
ولكن سبحانـَكَ حتى الطيرُ لها أوطان
وتـَعودُ إليها
وأنا ما زِلـْتُ أطيـرُ
فهذا الوطنُ المـُمْـتدِ
منَ البحْـرِ الى البحرِ
سـُجونٌ مُـتلاصِـقةُ
سجَّانٌ يُـمسـكُ سجـان









ويمكن الاستماع لقصيدة في الحانة القديمة - التسجيل الثالث - وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


في الحانة القديمة

مقدمة

إذا خَمِرَتْ الروحُ بالعشق سكـرَ الجسدُ بالماءِ القراح، وانزاحَ معنى الحانةِ إلى معنى الوجود
كلٌ حسبَ طريقتـِهِ في العشقِِ يُـصلي، وإذا اعتَـكَرَ اللـفظُ حَجَبَ الكثيرَ من المعنى.
والإبداعُ تركيبُ الألفاظِ لتشفَّ أكثـرَ عن المراد أو أقل؛ لتوفيرِ الظلمةِ للنجومِ البعيدة.
هنا المشكل: أن تشفَّ الروحُ بالكلمة أوتشفَّ الكلمةُ بالروح؟ هذا عشقٌُ وهذا عشق.
جاءَ في أغنيةِ الزمن أنَّ المدمنَ يلازمُ الخلوة، وفي زمنٍ مثلِ زماننا مريضٍ بوباءِ التلمود
تنزاحُ أوتارُ المغني إلى معنى الشهادة لكي تتملكَ الروحَ شفافيةُ الزمن.
والشهادةُ ثباتُ الجنانِ والقدمينِ في مواجهةِ احتلالِ الأجانبِ واحتلالُ ذوي القربى،
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة.
ونعودُ إلى جمالِ الاستعارة، جاءَ في الحانةِ القديمة:


المشربُ ليسَ بعيداً
ما جدوى ذاك؟
انتَ كما الإسْـفَنجةِ
تمتصُّ الحاناتِ ولا تَسْـكَر
تُحزِنُكَ التركاتُ بكاساتِ الليل
تُـرى؟ غلبَ النومُ على العشقِِ
أمِ العشقُ تغير؟
أو بضعةُ مُنحَطينَ اجتمَعوا
كلقاءات القمة
واختصروا المحضر؟
أنت وهذي الحانة والليل
وليس لهذا البرد سوى كأسين
وأنك تؤمن أن المحظور يباح دواء للقلب
وأنك تؤمن بالله وأكثر
تتلمس أقرب كرسي نخرته الأيام
تعيد خطوط امرأة تركته تفتش عن دفء
مهما نخرتك السنوات
لأدفأت يديها الباردتين
أيقتلك البرد؟
أنا يقتلني نصف الدفء
ونصف الموقف أكثر
تسترق النظرات الى الشباك ونهديها
سيدتي
خلف زجاج الحانة
أست ذو أستين يراقبنا
دسي في جيبي شيئا للدفء
نثير شهيته وشهيتنا
نخب الشيء
سيكتب ملزمة
ملزمتين ثلاثة
لا يكفي.. لا يكفي..
احتضنيني
سأكتبه الليلة ابن الوسخة دفتر
نخبك سيدتي
ما بعت سوى اللحم الفاني
فالبعض يبيع اليابس والأخضر
ويدفع عن كل قضايا الكون
ويهرب من وجه قضيته
سأبول عليه وأكثر
ثم أبول عليه وأكثر
ثم تبولين على عينيه ونسكر
ما عذر زنا الملح؟
زنا السكر ان السكر سكر
مفهوم مما باللحم زنى اللحم
فكيف زنى الروح يبرر؟
المشرب غص بجيل لا تعرفه
ضجات لغات لا تعرفها
وامرأتين تحيكان لباسا أسود
عن سيدة لا تعرفها
والكل يحدق فيك
كأنك من أهل الكهف
ويضحك من تقطيبة عمرك
غر ما خطت بعد شواربه
تتفحص وجهك..
أزرار قميصك..
سحاب السروال
لعل الغر يراقب أوضح ما في الكون وأخطر
تطبق جفنيك على وجع
تتذكر أخلاق الخمرة بالأمس
لقد كان الصحو من الخمرة منكر
تهمد في زاوية عشعش فيها الاهمال
ولا تهتم بأمرك إلا الخمرة
تدفؤ ساقيك الباردتين
وتنعش شمك لامرأة أقصى الحانة
تتمنى واحدة تأخذ رأسك
مما صار يطن ويصفر
وانحنت المرأة ترأب شق الثوب
فند بنفسج ما بين النهرين
وآخر ما اجتهد التفاح
وصاح الرمان
وتحدق في أرجاء الحانة
كل قناني العمر لقد فرغت
والنادل أطفأ عدة مرات لتغادر
هذي الكأس...
وأتررك حانتك المسحرة يا نادل
لا تغضب
فالعاشق نشوان
املأها حتى تتفايض فوق الخشب البني
فما أدراك لماذا اللوحة هذي للخمر؟
وتلك لصنع النعش؟
وأخرى للإعلان؟
املأها علنا يا مولاي
فما أخرج من حانتك الكبرى
إلا منطفأ سكران
أصغر شيء في خلقك يسكرني مولاي
فكيف الإنسان؟
سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل
ويوضع قلبي في قفص
في بيت السلطان
ورضيت نصيبي في الدنيا كنصيب الطير
لكن سبحانك حتى الطير لها أوطان
وتعود إليها
وأنا ما زلت أطير
فهذا الوطن الممتد
من البحر الى البحر
سجون متلاصقة
سجان يمسك سجان




2 comments:

  1. افراح الكبيسيTuesday, August 25, 2009 3:30:00 PM

    لو لم يكتب مظفر النواب سوى هذه القصيدة لكفته. شكري لمن قام بعمل هذه المدونة, مظفر النواب يستحق كل التقدير.

    ReplyDelete
  2. قصيدة رائعة كنت احفظ منها بعض الابيات و اليوم قراتها كاملة شكرا لكم

    ReplyDelete