Thursday, December 11, 2008

قصيدة بداية الصيف في حجرة بغي عجوز - مظفر النواب







ويمكن الاستماع لقصيدة بداية الصيف في حجرة بغي عجوز وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


مظفر النواب

بداية الصيف في حجرة بغي عجوز

في الـنوافـذ كان الضحى يتداعى
وكانت خزانتها تشتكي عـرجاً
من هـموم السـنيـن
ومن تركـات الخطايا
تبـخـر وجه الـزبون الأخيـر
وكان عـجـوزا
بـقـايا مـن الأمـس
لـم يـبق فـيه مـن الـشـهـوات سـوى
رجـفـة مـن بقـايا الـبقـايا
لـقـد كان بالأمـس يعـرف حـتى
بـيـوت الـرجال الـبغايا
هي الآن لـم يـبـق منها ســوى
فـخـذ كـالـدجـاج المـريـض
وقــد كـان شـهـوة كـل الـرجـال
ومازال بـعـد سـعـال الـزبـون الـعـجـوز
يـرن كـما جـرس لـحـمار بـعـيد
فـقـد أفـلـس الآن جـداً
وكـم أفـلـسـت مـن قـضايا
عـلى الـحبـل
وهـو طـويـل لـنشـر الفـضائح
كان لـباس ســيخـدش أسـماعـكم ذكـره
كـان يـوماً فـراشـة ليـل تطير
وتـمتص كـل بـريـق المرايا
ولـيس الـسـرير سـوى
بقـع من تـراث الـسـنين
رجـالٌ هـنا سـجدوا
وامتـطـت ظهـرهـم في صباهـا مـطـايا
إنهـا الآن تعـبق مـنها الـثقـوب
كما مـنخـل مـثخـم بالـجـراح
وتنـزف رائحة الـثوم منها
وما ثم تحـت الغـطاء
سـوى كـومـة مـن عـضايا
سـلام عـلى الـشـمس
تـمسـح إثـم الـمـسـاء الـطـويل
وتـدفي العـظام الـرميم
تمطت فـأنّ السـرير
يعـيد إليهـا مـن الأمس
صـوت زبـون فـتي
يـجيء بـيوم مـطير
فـمها الآن يأخـذ أشـكـال مفـزعة
فـهي نامـت بلا جـسـر أسـنانهـا
فـهـو طـوراً يغـور
ويسـحـب خـديـن قـد عـجـفا
من سـنين وطـوراً
يـثور بـرائـحة الـحـزن والـتركـات
ومـدت يـداً مـن مـواجـع عـمياء
تـبحـث عـن جـسـر
أسـنـانـها الـذهـبي الـصغـير
ما الـذي ينفـع الجـسـر
وهـو يـنازع بيـن الـشـهيق وبـين الـزفـير
نـزعـت عـلكـة الأمـس عـنه
أدارت كـما قـطـط الـدرب
فـي شـهـوة أذنـيـها
زبـائـنها هـرمـوا فـي الـمـسـيرات
عـشـريـن عـاماً وهـم يـزعـقـون
يعـيـش الـحـمـار زعـيـم الـحـمـير
قــلـصت عـنقـهـا الـسـلحـفـاتي
واسـتـجـمعت ما بـهـا مـن بـصـاق الـسـنين
وتـفـت عـليهم
فـجاء عـلى ثـوبـهـا الـداخـلـي
الـمعـلق بالـحـبـل
أعـطـاه معـنى مثـيـر
هـا هي الآن هـيكـل مـوت يـدب
أطـلـت عـلى نفـسـها في الـمـرايا
رأتهـم جـميعا بمرآتها
رغـم كـل الـثـياب عـرايا
أزاحـت جـمـيـع صـباغـات
أمـس الـتـي احـتـضـرت
وانـتـقـت أحـمـر الـشـفـتين
وخـطـت وذلـك يـخـدش أسـمـاعـكـم
شـاربـيـن مـن الـبحـر لـلـبحر
فتوق لـباس كـثـير الـثـقـوب
ومـن جـوفـها إسـتفـرغـت مـضـغـتـين
من الـثـوم والـزمـهـرير
شـاربان من الـبحـر لـلبحـر
فـوق لـباس كـثيـر الـثقـوب
كـما وضعـنا الـعربي
كـلام خـطير
واقـشـعـرت صباغـاتهـا
والأثـاث الـذي اسـتهـلـكـته الـليالي
وكان الـزبون الأخـيـر
يـهـرول في ثـوبه خائـفـاً
ربـما يـجـدون ملابـسـه الـداخـلـية
في درجـها وله شـاربان
وقـد يفـحـصون الـسـرير
وكان الـزعـيـق الـحـمـاري
مـازال يـعـلو ويـخـبو
ويـعـلـو ويـخـبـو
ويـخـبـو ويـخـبـو
هي الآن تـغـفـو وقـد أكـملـت سـفـرها
حان وقـت الظـلام الـمـريـح
دعـوها فقـد رسـمت ما يلـيـق بـهم
فـي هـدوء تـنام
فـقـد حـقـقـت سـبقـهـا الـصحـفي الأخـير

Sunday, November 16, 2008

مظفر النواب في مدينة كولون الألمانية

في أمسية احتفالية على شرف الشاعر الكبير مظفر النواب في مدينة كولون الألمانية يوم الأحد 9/11/2008, أقامها الديوان الشرقي الغربي ضمن برنامجه الثقافي, حضر جمهور عراقي من مختلف المشارب الفكرية, ومن مختلف المكونات, اعتزازا بشاعر العراق الذي وظف كل إمكانياته الفنية والفكرية من اجل قضايا وهموم الشعب العراقي وشعوب المنطقة, لما عانته من ظلم عبر حقب زمنية عايشها الشاعر منذ ولادته ولليوم, قادما الى بغداد من جنوب العراق يحمل مفردات الحسجة الجنوبية, مسطرا ابلغ المفردات العربية بكل تعقيدات الفصحة, كما لم يغفل على الجالية العربية أن تتواجد إيمانا منها بشاعر لم ينغلق على هموم شعبه, بل حلق في سماء الثورة الذاتية, لينقلها الى شعوب بأمس الحاجة لمن يتضامن معها ولشاعر يعبر عن همومها وغضبها وخيبتها وأملها الذي لا ينطفئ.
بدأت الأمسية ترحيبا بالشاعر مظفر النواب من قبل السيدة آيار باسم الديوان الشرقي الغربي, ثم فسحت المجال لمنظمة الحزب الشيوعي العراقي للترحيب بصاحب الموقف النضالي الثابت والطويل دون تنازلات ولا مهادنات ولا مجاملات على حساب الفكر وحقوق الفقراء وشغيلة اليد والفكر. ولان الشاعر مظفر النواب قدم الى المانيا لغرض العلاج وبسبب حالته الصحية الصعبة, فقد شارك الشاعر سامي عبد المنعم في قراءة عدد من قصائد النواب, مختتما كل قصيدة باسم أبو عادل إشارة منه الى الشاعر مظفر النواب, وعلى أنغام عود الفنان لطيف الدبو واختياره لعدد من أغاني الشاعر النواب, أضافا جوا من الفن والود والمتعة والإحساس بالشعر والموسيقى.
بسبب الحالة الصحية صعب على النواب أن يشارك في قراءات شعرية من نتاجه الكبير, لكنه قبل أن يضطر الى ترك لم يتردد في تحية الجمهور بقصيدة عبر بها عن حبه لهم, قائلا أنه عندما يذهب الى أمسية شعرية فانه يذهب الى عرس حقيقي, ووعد الحضور عندما تتحسن حالته الصحية لن يبخل على جمهوره بأمسيات شعرية, حينها استغل الإعلامي ملهم الملائكة وتقرب من الشاعر مظفر النواب بهدوء مراعيا حالته الصحية ليطرح سؤاله , هل أنت شيوعيا ؟؟؟
يجيب النواب دون اخذ وقت للتفكير, نعم أنا شيوعي. فانطلق التصفيق في القاعة من كل جانب.
يكمل النواب مستذكرا, عندما كتبت قصيدة الريل وحمد لم انشرها, وقد فوجئت وأنا في الأمانة ( باص النقل في بغداد) بمدينة الاعظمية التي كان سكانها يعتدون على الشيوعيين ويحرمون عليهم دخولها, كان يجلس أمامه اثنين من الشباب يحملان جريدة منشور بها قصيدة الريل وحمد, يقول احدهم للآخر انظر هذه القصيدة كم هي جميلة, فيجيب الآخر بعد قراءتها, إنها فعلا قصيدة جميلة, فيضيف الأول لكن الشاعر ( شيوعي كلب ابن كلب), تعالت الضحكات بين ساخر من الكره الذي يحمله هؤلاء, وآخر خجل لان الفكرة في داخله.
تمنى الجميع الصحة والسلامة للشاعر الكبير مظفر النواب, على أمل لقاءه من جديد شامخا مع قصائده يخشاه الدكتاتوريين

مصدر المقال
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=153047


Wednesday, November 12, 2008

قصيدة أفضحهم - مظفر النواب





ويمكن الاستماع لقصيدة أفضحُهم وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


مظفر النواب

أفضحُهم

لا تُقهرُ انتفاضتي
وموقعي
في موقعي
ولا أُزاحْ
جهنمُ الحمراءُ
ملىء قبضتي
أوجّهُ الزمان
مثلما توجّهُ السفائنَ، الرياح
أقتلعُ المحتَّل
والمختلَّ بالتطبيع،
والذين مارسوا الزنا،
إنْ علناً
او خيفةً
او بينَ بين!!
هذا حجري يوشكُ بالصباحْ
أفضحُهمْ...
قد غسلوا وجوههمْ ببولهم
بولوا عليهم...
عَلّهُمْ يصحونَ من غبائِهمْ
ولستُ مازحاً
إرادةُ الشعوبِ تكرهُ المزاحْ
قَدْ أذّن الدَمُ الزكيُّ:
أَنْ "محمد الدرةُ" من يؤمُكُم
فيا رجالُ!
يا رجالُ!
وحدوا الصفوف خلفه
حيَّ على السلاحْ.
جئتُ من التاريخ كُلّه
وجاء من فراغِه العَدّوُ
شاهراً فراغهُ..
وعُقمَهُ..
شهرتُ بُندقيتي الشّماء للكفاحْ
لا تُقهرُ انتفاضتي،
وموقعي أدوسُ أنفَ من يشكُ
أنَّ بندقيتي
تُلقحُ الزمان
أشرف اللقاح

Thursday, October 16, 2008

هل عجز الجمهور العربي عن فهم « مظفر النواب» ؟

هل عجز الجمهور العربي عن فهم « مظفر النواب» ؟


الجمعة, 18 يوليو 2008
دمشق - عاصم جمول

شعراء كثيرون مروا على عتبات اللغة العربية، وكثيرون منهم امتلكوا ناصية الشعر عن جدارة، لكن واحداً فقط استطاع أن يقتلع بكلماته الرغبة الدفينة للكثيرين بالتمرد على واقع قاس، لكن ليس بقسوة كلماته، إنه مظفر النواب الذي أطل على الشعر العربي كقاموس تتطاير الكلمات من صفحاته.

كلمات تئن تحت فجاجة الواقع الذي عاشه متمردا على كل تفاصيله، هو يرى باللمس فعلا في وقت سلبوا فيه إمكانية النظر إلا إلى ما يريدون، ولا غضاضة أو ابتعاد عن الواقع حين نقول إن مظفر النواب استطاع أن يسيس أعقد أصناف الشعر العربي فكان بين يديه طيعا طليقا بزخم هائل من المصطلحات الفجة اللينة في آن واحد، ورغم استخدامه لكلمات يمكن وصفها بمعزل عن القصيدة بأنها غير مألوفة في الشعر الحديث، إلا أن توظيفها في حالات انفرد النواب بوصفها، جعلها تفقد تلك الصفة لتكون أبلغ تعبيرا عن المشاعر التي تحملها القصيدة، وفي الوقت الذي يوصف فيه النواب بأنه الشاعر السياسي القاسي، استطاع أن يثبت للغة والجمهور على حد سواء بأنه من شيوخ شعر الغزل، فمن يقرأ قصيدته (لحظة في حمام إمرأة أموية ساخنة) يجد أنه وصف جسد الأنثى بما عجز عنه من اختصوا بهذا النوع من الشعر فكانت الأنثى حاضرة في شعره بشكل عام، كما كانت حاضرة في شعره السياسي المحكي باللهجة العامية ففي قصيدة «البراءة» يبرز النواب الأمهات والأخوات اللواتي يشحذن همم الرجال من خلال نداء رائع يطلقنه لئلا ينخرط رجالهن بما يتعارض مع الواجب الوطني. وامتاز النواب بتصوير هذا الجانب من الحياة العراقية البسيطة التي كانت تعتبر الحزب هو البيت والأب والضامن لكل أشكال الحياة، ويبرز ذلك بشكل جلي حين يقول مظفر عن لسان تلك الأم التي تطلب من ولدها أن يحافظ على وطنه وحزبه:

«أبيض عيونك

..لبن صدري

وسواد عيونك

..الليل اللي عد مهدك قضيته

وأبنك التوّ يناغي الخرز

بالكاروك ياابني

كتلة لا تخاف اليتم جده

اللي ما يشوبو عده

الحزب أبوه الحزب بيته»

يبدو أن مشكلة التواصل مع الجمهور كانت إحدى المشاكل التي أرقته طويلا، نتيجة عدم فهم الجمهور أو ربما عدم تقبله لنمط شعر النواب وأحيانا كثيرة كان يشعر النواب بأنه عدم فهم مقصود، ويتضح أن سوء التواصل هذا كان يسبب حالة من الفوضى في ذهن الشاعر الكبير، ولكن لدى العظماء كثيرا ما تكون هذه الفوضى خلاقة، فعبر مظفر عن ذلك بقوله: ( ألّا أُفهم...تنتابني نكهة حزن، ولكن أشياء كثيرة لا تفهم في هذا الكون...أن يُتقصَّدَ عدم فهمي، فذلك يضع في طريق عشقي للناس حجر )، وربما أتت هذه المقولة بعد أن وُصِفَ النواب من قبل الكثيرين بأنه شاعر السياسة والهجاء اللاذع فقط، ولكن الحقيقة أن النواب ليس شاعرا سياسيا والشعر بحد ذاته هو حالة جمالية تهدف إلى الارتقاء بالإنسان إلى مستوى ذلك الجمال والشعر يتقاطع مع السياسية كما تتقاطع السياسة مع كل شيء بما فيه خبزنا اليومي، إذا فإن مقولة أن النواب هو شاعر الهجاء السياسي فقط هي مقولة بعيدة عن الحقيقة فشعر النواب يحمل كافة أطياف الإبداع الأدبي وخاصة في جانب القصيدة العامية التي امتاز بها عن جدارة.

مظفر والقصيدة العامية

ولكون البيئة التي عاش فيها المراحل الأولى من عمره هي بيئة ذات طابع ريفي فقد كان لها تأثير واضح على البناء الشعري في قصيدته فكان النواب من القلائل الذين وصلوا بالقصيدة العامية إلى حدود الجنون الشعري عن طريق الكلمة السهلة الممتنعة والصور التي تجعل المتلقي يتحسس أبعادها فتعمل على تشغيل مخيلته لالتماس الجمال الكامن فيها وبمستوى لا يقل أبدا عن المستوى الذي كتبه شعراء كبار آخرون في القصيدة الفصيحة الموزونة، إن لم نقل إنها من مستوى شعري أرفع.

ويمكن القول إن النواب استطاع أن يحرر القصيدة الشعبية من القيود التي كانت تحكمها لفترة طويلة وأطلق العنان لمخيلته الشعرية فاستطاع أن يثبت للجميع مقدرة اللهجة المحكية على حياكة القصيدة بما لا يقبل الشك بكونها قصيدة تمتلك من الأهمية ما يكسبها صفة الخلود، وهذا ما دفع الكثيرين من مطربي العراق إلى تلحين قصائده وعلى رأسهم المطرب ياس خضر حين غنى قصيدة «الريل وحمد» تلك القصيدة التي حملت ملامح الريف في جنوب العراق وامتلكت هذه القصيدة من الخصوصية ما جعل الكثيرين يكتبون عنها مثلما فعل الشاعر سعدي يوسف حين قال: ان شعرنا العربي تسيطر عليه الهوية العالمية وهذه القصيدة زهرة نادرة في بستان شعرنا العربي. وهو بهذا المعنى إنما يعتبر هذه القصيدة نقلة نوعية انتقل بها النواب من السياق التقليدي للقصيدة المحكية إلى مناخ جديد انفرد به النواب، وتعود عناصر البيئة والمنزل لتؤكد حضورها في قصيدة «الريل وحمد» حين يقول مظفر في أحد اللقاءات: ثمة عوامل كثيرة أثرت في كتابة هذه القصيدة ومنها ممارستي للرسم، والأجواء العائلية المشبعة بالموسيقى إذ إن والدي كان يعزف على العود، ووالدتي على البيانو، بالإضافة إلى الأجواء الكربلائية. كل هذه العوامل لعبت دورها في تشكيل القصيدة وشكلت عالما مختلفا عن غيره في القصائد العامية الأخرى.

وبكل تأكيد لم تكن قصيدة الريل وحمد هي القصيدة الوحيدة التي لحنت وغنيت فيما بعد فقد غنى المطرب العراقي سعدون جابر قصيدة مو حزن وغيرها، كما غنى فؤاد سالم قصيدة عودتني :

«عودتني

.. انتظر

وارسم على الأيام موعد

كَتلي.. من يعتك جرح.. جرحين

يتلاكًه وجعها …

وعودتني ..

اترك إبيتك

..بطاقة عيد وموعد

واكتب أببابك اذا مسافر

جملتين …

ولكًيتك سافرت

من غير رجعة

وعودتني» .

ولعل اكثر ما يؤكد حضور القصيدة الشعبية وتمكن الجمهور غير العراقي من فهمها أو ربما بذل الجهد لأجل فهمها في كثير من الأحيان «لما تحمله من خصائص ومفردات البيئة العراقية» هو طلب الجمهور لها خلال الأمسيات التي أقامها مظفر النواب في الدول العربية وأذكر مثلا في أمسيته التي أحياها في مكتبة الأسد في دمشق منذ عدة سنوات أن الجمهور السوري كان يطالب النواب بالقصائد العامية مرارا خلال الأمسية وكان واضحا مدى الانسجام معها، ما يؤكد فهم الجمهور لمفردات القصيدة المغرقة في المحلية.

إذاً استطاع مظفر النواب أن يكون لنفسه اتجاها شعريا ومدرسة شعرية خاصة وهذا الاتجاه كان له تأثير كبير على الشعراء الذين لحقوا به وحقق شعبية كبيرة، وكان مظفر أحد الشعراء القلائل الذين ذاع صيتهم قبل أن يصدر لهم ديوان مطبوع فكانت قصائده العامية كالبراءة وسعود والريل وحمد وغيرها الكثير الكثير من القصائد تتناقل بين الأيدي بكثرة وعمد البعض إلى تجميع القصائد التي يلقيها مظفر بصوته ليحفظوها على أشرطة الكاسيت وحققت مبيعات كبيرة في بعض الدول مثل سورية وما تزال تتداول حتى الآن سواء عن طريق الكاسيت أو الأقراص الليزرية المضغوطة مع ازدياد الطلب عليها وخاصة أن العمر والمرض أبعد النواب عن جمهوره منذ فترة لا بأس بها.

مناخات الشعر

وبهذا الخصوص يقول الشاعر السوري علاء الدين عبد المولى في شهادته العابرة في شاعر ليس بعابر: (مظفر النواب شاعر ظُلم كثيرا، وقد ظلم نفسه بيده أحياناً، فيما يتعلق بتأخّره الطويل في نشر أعماله الشعرية بشكل كامل، فالذي يرغب في قراءة الشاعر ليتخذ موقفاً نقدياً لا تكفيه قراءة ديوان«وتريات ليلية» وقصائد متفرقة نشرت هنا أو هناك).

أما الشاعر عبد الكريم الناعم فقد رأى أن الحديث عن النواب سهل وصعب في الوقت ذاته فهو سهل لاتساع مساحته، وصعب لاتساعها أيضا، ويعتبر الناعم من التيار الذي ارتأى أن شهرة النواب جاءت من ارتفاع مستوى الخطاب السياسي في شعره دون أن يغفل وهج ذلك الشعر ورقيه فيقول: (وإذا أردنا الخروج مما يقترب من مناخات الشعر لمناخات الالتفات إلى التفاصيل في اللوحة، فإننا نتوقف أولاً عند مسألة الشهرة والشعر، هذه المسألة، وكما هو معروف، ثمة شعراء كانت لهم من الشهرة ما هو أكبر من حجم ما لهم من الموهبة، وثمة مغبونون، عندهم من الشعر أضعاف أضعاف ما لهم من الشهرة، حتى لكأننا أمام حقيقة أن الشهرة حظ، أما مظفر النواب، فقد نال من الشهرة مجداً يغبطه، أو يحسده عليه الآخرون، بيد أن في شهرته ما هو دون بنائية شعره، ووهج ذلك الشعر، وروحيته، إذ إن شهرته، في قسم منها، انبنت في الغالب، على ارتفاع الموج للخطاب السياسي، وللموقف النضالي المعروف في حياة النواب، ولا غضّ، ولا استصغار، غير أن ذلك طغى، أو سمح بإخفاء ما هو أكثر ألقاً، وحيويةً، وإبداعاً).

المفردة وفهم المواطن

إن مظفر النواب قامة شعرية كبيرة أضفت على الشعر العربي نكهة خاصة وحملت بين طياتها ملامح القصيدة السياسية تارة والقصيدة الشعبية البسيطة المعقدة تارة أخرى واستطاع في أحيان كثيرة أن يجمع بين القصيدتين فحملت القصيدة الشعبية ملامح سياسية واضحة كما في قصيدة «البراءة» كما استطاعت القصيدة السياسية لديه أن تحمل الطابع الشعبي في بعض الأماكن كما في قصيدة الوتريات الليلية بحركاتها الأربع، فكان النواب شاعرا له أبعاده الخاصة وعوالمه الغامضة التي ينقل إلى الجمهور الجزء الخاص منها وحسب رأيه فإن الشاعر الذي لا يستطيع أن ينقل عالمه الخاص إلى الجمهور فهنالك نقص في تجربته الشعرية.

سألته ذات مرة حين التقيته في إحدى الأمسيات في مدينة مصياف السورية أين تجد نفسك أكثر في القصيدة العامية أم في تلك المكتوبة بالفصحى؟ فأجاب وعلى وجهه ابتسامته التي لا تفارقه: لا استطيع أن أفصل بين الاثنتين ففي العامية أستطيع أن أعبر عن هموم الوطن والمواطن بشكل خاص ومن خلالها يمكنني أن أوصل ما أريد إيصاله إلى المواطن العادي عبر مفردات يفهمها أكثر من غيره كما أنني من خلال العامية يمكنني أن أسرح كثيرا في خيالي لأصل إلى حد التماهي مع الجنون الشعري، أما الفصحى فأعبر من خلالها عن قضايا أكبر وأكثر شمولا كالقضايا العربية ومعظم القصائد التي كانت تتناول القضايا الكبرى كانت بالفصحى لما للفصحى من مقدرة على التعبير حين تكون القضية كبيرة.

المصدر:
http://www.awan.com/node/92490

Sunday, September 28, 2008

قصيدة بعـد حفـل عـيـد الاسـتـقلال - مظفر النواب




ويمكن الاستماع لقصيدة بعـد حفـل عـيـد الاسـتـقلال وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


مظفر النواب

بعـد حفـل عـيـد الاسـتـقلال


الجـو سَـيمـطرُ
والـساحَة تَعْـبـقُ بالـصَّـمْت
وكـلـبٌ في الـزاويـة الـزرقـاء
هـناك يـبـولُ عـلى شـيء
وبقـايا خـُطـَبٍ وشـِعـارات
تـتطايـَر في الـريح
احـتـَفـَلـتْ جـمهـورية صَـمتـسْـتان
الـحُـرة بالاسـتـقلال الـوَطني
بـرغـم تـفـَشّي داء الكـَلب
ولأن الـجـوعَ كـما قـالـوا
في خـطـب الـيـوم تـفـشى
في كـلِّ جـهـات الـدنـيا
صَـدَرَ الـمـَرسـوم بـتأسـيـس
مُـديـرية نـَهـب الـشـَّـعْب
واســتـوردَ بـَعـضُ الـمَسـؤولين
- مـن الـخـارج طـبعاً -
أحـدثَ أجـهـزةٍ في تـفـريخ الـرشـوة
فـَرخـتِ الـرشـوةُ أكـثـر
مـِن كـُل دَجـاج الـكـون
وصَـار الـبعـضُ يـَبـيع الـرَّشـوةَ بالـفـرن
أو الـرشـوة بالـسـيخ
أو بـروســتـِد حـَسـَب الـجـيـْب
صحـفـي أجـرى اسـتفـتاء لـلـناس
وصَـوّرَ مَخـلـوقـاتٍ تـنـتظرُ الـزبـلَ
الـوطنيّ طـَوالَ الـيـومِ لاسـكـاتِ الـجـوع
تـعـَرّضَ لـلـتوبـيخِ مـِن الـهَـيـئاتِ الـدولـية
تحْـديـداً مِـن مَجـلـس أمـن الـسَّـلـب
فـالـمَـجـلس يـَعـمل أن تـتـفـَشى هـذي
الـحالـةُ في جـَمهـوريات الـصّـمت جـَمـيعاً
ويرانا لا نـصلـحُ إلا لـلـكـبّ
يا عـرب الـرّدة يكـفـي
وَصَـلَ الـذلُ إلـى.....!!
لـولا الأخَـوات لـقـلـتُ...

Saturday, September 13, 2008

قصيدة بحار البحارين - مظفر النواب









ويمكن الاستماع لقصيدة بحار البحارين وتنزيل الملف الصوتي من هذا الرابط أيضاً


ألفت انتباهكم إلى أن التسجيل الصوتي يشكل ما يقارب 80 % من القصيدة مكتوبة وأتمنى أن أتمكن من الحصول على تسجيل لباقي القصيدة


بحار البحارين

مقدمة: الحقيقة القصيدة التي ألقيها الآن طويلة، ربما سأحاول أن أنتقل أو أحذف بعض المقاطع، وهي آخر القصائد التي كتبتها في هذه الفترة، ما يجري هناك يصعب التحدث عنه، ما يجري هناك ليس بقضية سياسية فقط، وإنما قضية حضارية أساساً، لذلك التحدث عما يجري في لبنان، في فلسطين، ليس بسهل.
في رموز القصيدة تختلط الذات بالثورة بالمرأة بالشجرة، ذلك لأن النظرة السياسية بالنسبة لي تعني قضية حياتية عامة.



مَلـِكُ العُـمقِ ...
أَزورُ نجـومَ الـبحـرِ.. أُزوِّجُـهـا بنجـومِ الـلـيـل
أطيلُ لـدى مَـوضعِ أسْـرارِ الخَـلقِ زيـاراتـي..
وتـفـتّـَحَ قـَلـبي في الـماء بـكُـل المـِسْـكِ
وأرسَـلـتُ يـديّ إلـى الأعـشـابِ الـمَـسْـكـونـَة
فالـتصـَقَ الشَـبـَقُ الـوردي لـماءِ الـلـيـل علـيهـا
واخـتمـَرتْ لـغةٌ
وتنـفـسَ فيّ الأيـّل
ما أوقـحَ لـذتهُ
يَـبـْني بغـَزَالاتٍ أربعةٍ
يـَنـزعُ عـنهـنَّ ثـيـابَ ربـيعـيـْن
تعـبـتُ... تعـبـتُ... تعبتُ...
قـلـبيَ مُـبتـهجٌ تَعِـبٌ
يا مُـثـقـل بالـمُنـزَلـَقـات
ونـونُ الـنسـوةِ قـد وضعتْ
نقـطتها فـي ليلـكَ فـانـوسـاً
هـاكَ تـلألأ
وأعـد لـلـنُسـوة نـقـطتهـنَّ
تلألأتُ لهـذي الساعـة لـئلاءً حـسـناً
وحـروفُ العـشـقِ عـلى شـفـتي الـسفـلى نائـمةٌ
أخـذتـني الـموجةُ من ثـوب عُـقـوقي
مـَسحـتْ زهـرَ الـرمان وأبقـتـْهُ حـزيـناً
فـي الـماءِ الـبـاردِ خـاض الـطفـلُ بلا صَنـدلهِ
يا موجـة ... أركـضْ...أركـضْ
بيـن الـمُرجان وبين الحـزن
دخـلنـا مَـرحـلـة الأبـوابِ
اصْطـدمـتْ قـدمي بالـبابِ الأبنـوس مـصادفـة
فـطرقـتُ
مَـن الطارقُ؟
ليـس لـديـكَ جـوابُ
أنـتَ تـذوبُ بـصوتـكَ
تطـرق باباً أخـرى من ذات الـخشـبِ المَـدْلـوكِ
بـجـَذبٍ لا تـَعـرفُهُ
مـن أنـتَ..؟ تعلّـمْ أسـلـوبَ الطـَرْقِ وعـُدْ
تعلّـمْ مـن أنتَ
تـثاءَبَ حَـرفٌ لا أعـرفُ قـُدرتهُ
لـقّـحَ ناقـاتِ الـليـل
وراءاتُ أبي صخـر الـهُـذلي تـنام
صَرَفـتـْنيَ أمُّ الأبـواب
وما عـَرَفـتْ قـلبي فـعلاً
لا يـَتصرّف إطـلاقـاً
مـن أنـت...؟ وما قـصة رُوحِـك؟
مـاذا في الـدنـيا الـمَألـوفـَة والأيـام فـَقـَدتَّ؟
ومَـن جـئـتَ تـزورُ؟
أنا...أخـذتـني الـلعثـمةُ الحـُلـوةُ
قـلبيَ كالـعُـشـْبة قـُـدامَ الـمنـْجَـلِ
روحـيَ خائـفـةٌ خـَوفـاً مُـرتفـعاً
قـَدمي حُـزنُ الأسـفـارِ علـيـها لـيـس يـجـفُّ
وحـزبُ الـمخصيـيـنَ يـُطاردني
إبحـثْ يا مـن تـبحـثُ عـن بـابٍ أخـرى
يـورق في الـرفـْـض فـُضولي
وأحـكـَمتِ الأبـوابَ الآلـهةُ الـمسـئولـةُ عـنها
وضـَعـوا شـَـيئـاً خـَلـفَ الأبـوابِ كـذلـك
أرسـلتُ يـديَّ إلى الأعـشابِ الـمـسْـكونةِ
فالـتـَصَقَ الشبقُ الـورديُّ لـماءِ الـليـلِ عـليـها
إيـاكَ وأنـتَ قـليـلُ الـخِـبـرةِ
إن الـطَّرْقَ يـزيـدُ الـبابَ الـمجهـولةَ أبواباً
ومَـفـاتـيحـكَ مِـنْ لـُغةٍ تـُغـلـقُ ما تـَفـتحُهُ
وتصُـدُّ كـما الـمرأةِ عـنـدَ الـماءِ
لـمنْ لا يدخـل بيـنَ حـروفِ مـباهـِجـها
ونظنـكَ من أهـلِ الـحَـدسِ
فـَما تتهـَجى جـَسـَد الـمحـْبـوب
بـل اقـرأ قـاطـِبةً
تلـكَ بنفـسَجَةُ
تلـكَ كـما الـزبدِ الـليليّ تـذوبُ أنـوثـتـُهـا
فـيمن مَـدَّ يـديـه بـمعـرفـةٍ عَـرَفَ العـُمقَ
وزكـَّى الـهمـزةَ بالـبخـورِ ثـلاثاً
حـتى طـردَ الـسحـرَ وأطلـقَ عـُقـدتـَها
بيـنَ أصابـعهِ يـَنمو الـصُبحُ وكمّـونُ الـعـشـقِ
وتكـشفُ نـسـمةُ صُـبحٍ فـَخـذيـهـا
آهٍ...
وتـدوسُ عـلى ريـحانةِ روحـِكَ
آهٍ...آهٍ...لـلوجعِ الـطـيبِ
يا نسـمةُ.. يـا بالغـةَ الـعـفةِ
مِـن أينَ دفعـتِ الـبابَ عـَلى العـاشـقِ
فـالـقـَمـرةُ نائـمةٌ والـعاشـقُ أثـملـهُ الـتفكـيرُ الـخاسِرُ
والـنجـْمةُ تـسـتأذنُ أن تدخـلَ بعـدَ هـَزيعيـْن اثـنـَينِ
فـَما أذِنَ الـبحَّـارُ الـعاشـقُ
فـالـنجـمةُ تحـْملُ فـاكـهَةً
قـالَ الـمُعتـكـفُ الـبحارُ
أنا ما ذقـتُ سـِوى طـَرفِ الـنهـدِ
وصُمـتُ عـن الـمُشـْتهـيات
رَضـعـت الـعَـنـْبر مـِن صَـدْر الـعشـقِ
وأمسـَكـتُ بحَـلـمَتها الـورديةِ في الـليـلِ أؤنـبُـها
امـتلأت كـَفـّاي رَحـيـقَ الـفــُسْـتـقِ
واشــتعـَل الخـُـنـْصُـر
بيـن الـوَرْد وبيـن الـلَّحـن
وبيـن الـلَّحـن وبيـن الـوَرد
احـتـرقَ الـخـُنصـرُ
أَعْـطى ضَـوْءاً عـَربـياً
لــيـسَ لإصـبـعـي الـوسـْـطى فـي الـليـلِ أمـانٌ
وأديـرُ عـلى هـذي الإصـبعِ حـكّام الـردة قـاطِـبةً
سـوفَ أحـَدثـكـُم في الفـَصل الـثـالـثِ عـَن أحـْكام الهـمـزَة
في الـفـَصل الـرابع عـَن حكّام الـردّةِ
أمـا الآن فـَحـانـات الـعالـَمِ فـاتـِرَةٌ
مَلـلٌ يُـشـْبه عـِلكـةَ بـَغي لـَصـقـَته الأيام بـقـَلـبي
يـا ابنَ ذريـحٍ
هـذي الـحانـةُ بـاردةٌ
أوقـِدْ صَـوتـكَ
يرحَـلُ بعـض الإثـم مِـن الـحانـةِ
يـا ابـنَ ذريـحٍ
هـاتِ نـَغـَماً
هـاتِ لـنا بـَعـضَ الـمُـشـْتهـيـات مـنَ الـصـوتِ الـسـابعِ
قـلْ نغـَماً عـُصفـُوراً
قـُلْ نغـَماً سـُرّة أنـثى
قـلْ نغـَماً طـَرقـَة بابٍ مجـهـولٍ
مـن أنـتَ ...؟
نصحـنا أذنـَك أن تـسـْمَعَ
تـلـكَ الأشـْياء المألـوفـَةَ في الـدُنـيا
آلـهـةَ الـمجـْهـُول
أتـيـتُ بآخـِرِ أشـْكـال الـهـمّ
وروحي لََونٌ مكـتـَئبٌ
طـَوقـتُ عـَليه بـزُنار مـراهـِقَة
مـَن يـَطـرقُ ثانـيـة؟
حـَذرناك... فـماذا تـَطـلبُ؟
جـازفـتَ عـلى كلـكٍ لا يـعـبر سـاقـيةً
قـيل تسـفـِّه كـلَّ الـصُلـبان وكـلَّ الأصـنام
رفـَعتَ كـؤوس الـكـفـرِ عـلـيهـا
يـأخـذكَ الـزهـو
وتـرفـعُ إبـريـقَ الـخـمرة في الـهمِّ شـراعاً
كـيـف تـجـرأتَ تـدّقُ عـليـنا في الـليل
فإن الـلذاتِ تـنام وراء الـبابِ بدون ملابـسِـها
ويـسـيل لعابـكَ...
كيف الـلذاتُ تكـون بـدون ملابسـها؟
تـلـتاسُ ... وتـنطق أشـياء مـبهـمةً
وتحـاول أن تخـرج من تـأتـأةٍ في جـِسـمكَ
تعـرقُ جـُدران هـمومـِك
يـَعـرق إظـفـر إبـهامـِك بالـمنـدلِ
توقـدُ عـود الـسُمّاق لـدى فخـذي أنـثى
أسـأم حـُسْن الـلّه عـليها
واجـتمع الـتلقـيحُ فـأعطى إنـشاءً ذهـَبـياً
أوقـَدتَ فـجُـنّ الـحشـَراتُ
وهـاجَ الـموج وقـامَ الـزبد الـفاشـلُ
واضطـربَ الـبيـضُ الفـاسـد
يـا صـاحـِب هـذا الكلـكِ الـمـُتعـبِ
أنـتَ تـسـميه سـفـينة عـشـقٍ
أنّى أوقـدتَ
سَـيفـْقـسُ هـذا الـبيـضُ الفاسـدُ أوسـاخاً مـُقـذعةً
ألـديكَ فـوانـيسٌ ؟
زيـتٌ ما لمسته يـدان؟
روحٌ تـبصِر في الـزمـَن الفـاسـدِ؟
أوقـدَ بحـارُ الـبحـاريـن قـناديـل سـفـينـتهِ
أبقـاهـا خافـتةً
بحـار البحاريـن
ومـن جـَمعَ الـلؤلـؤَ والأضـواءَ وأصـواتِ الـبـحر
بـخـيطٍ لحـبيـبته أبـقـاها خافـتةً
تملـك أحـلى الـهَـمزاتِ حـبيـبتهُ
تملـكُُ أحـلى مـيمٍ أعـرفـُها
ولها جـَسـد مزجَـتهُ الآلـهـةُ الـمَوكولة بالـمَـزج
بكـلِّ عـُطـور الخـَلـقِ
فـمارسَ عـشـقَ الـذات وأربـأ
بالـحـُسْـنِ عـليـها.. ارتـبكتْ
أعـرفُ بحـَّار الـبحـاريـن
ومـَن سـأحـَدثكم عـَن سـيرَته
كان يـُقـاوم أوسـاخـاً مُـمتعـَة
يـسـتمـتع حـَين يـُقـاومها
عـَيناه تألـقـَتا كالـجـَمْر مـِن الـحـُمى
بعـثَ الحـُمى بغلاف مـِن ورق العـشـْق لـبَيتِ حـَبيـبتهِ
وبـيـْتُ حـبيـبـَته في الـشـامِ يقـالُ
قـُربَ الـجـسْر الخـَشَـبي
وبيـتِ عَـلي بن الجـهـْمِ يـُقـالُ
بـرام اللّه يـُقـالُ
قـيل ببابش الـخـَلقِ
وقـيلَ بـتَرْهـونَة أيـضاً
مـَن أنـتَ..؟
وفي هـَذا الـوقـْتِ الـمشـْبوه تـَزورُ؟
أطـرق بحـار البحـارين
وخبأ في الصَّدفِ الـحي حكـايـَته
فـالعُـثّـة في بلـدِ العـسـكرِ
تفـقـِسُ بيـنَ الإنـسـانِ وثـوبِ الـنَومِ وزوجـَتِه
وتقررُ صنـْفَ المـَولودِ
وأيـنَ سـَيكوي ختـمُ الـسـلطـانِ عـلى إلـيـَتهِ
فـَإذا آمـَنَ بـالحـزبِ الـحاكِمِ
فـالـجَـنةُ مـَأواه
وويـْلٌ لـِلمارقِ
فـالأنـظـمةُ الـعـَربية تـشـْنقهُ قـُدام الـفـِنجةِ قـَاطـِبةً
تبقـيهِ لـسـاعـاتٍ
ثـَمةَ تـنسـيقٌ سـِري بـَين فـَنادقـِنا
أحـَدٌ مـِنكم لاحَظ أن الصمـْتَ تـكـاثـرَ والجـرذانَ
وسـَيارات الـشـُرطة تحـَبلُ في الـطـرقـاتِ
بـِشـَكـلٍ لاشـَرعي وسـِخ
هـذا الطقـسُ دنيءٌ جـداً
ولذلـكَ خَـبأ في الـصَدَف الحَي حِـكـايـَته
وأقـام عـلى دولابِ سـفـينـتهِ
عـَيناهُ من الحمى والـحـُزن
تألـقـتا نجـْمـين كئـيـبـَينِ
أرستل تلـكَ الـحـُمى بغـلافِ
مـِن وَرَقِ الحزن لـبيـتِ حـبيـبـَتهِ
جـلسـتْ تغـسـلُ لـلـحـُمى
جـَدلـتْ بالـوَرد وبالـزيـْت الـباردِ
والـنعـناعِ جـديـلـتـَها
سـَمعَ الـجـيـرانُ بكـاءَ الـحـُمَّى في
الـلـيلِ الأول مـِن شـٍٍَعـبان
قـالـوا نغـلـقُ هـَذا الـشـباكَ
ونخـلـصُ مـنْ وجـِعِ الـقـلبِ
لقـَدْ شعـَّفَ كل بـَناتِ الـحيِّ
وكـوَّن مـِن حَـبات الـدَمعِ فـَراشـَات عـَمـياء
وقـُمنَ إلى الـشـُباك مـِنَ الـنـوم وأغـلـقـْنه
ونـون الـنـسـْوةِ ما نامـَتْ أبـَداً
نـُقـطةُ نـونِ الـنسـْوةِ مِـما تـَذرفُ دمـْعاً مُـسـِحَتْ
وأتى الـنـونُ هـِلالاً فـَوقَ الـمَركبِ
كانـتْ ريحٌ قـاصمةٌ
والـمَرقـبُ يـُنـبىء أن الـلـجَّة
سـوفَ تقـومُ عـلى آخـِرهـا
وعَـلى الـدفة كان مَهـيـضاً
في تلـكَ الـليلةِ مِن شـَعـْبانَ
يُقـاومُ أحلاماً سـاطعـةً...يـُغلـِقُ عـَيـنـَيهِ
وأبـوابَ الـروحِ لـشـِدتها
وتـسـاءلَ أيـْن الأرض
وأرسـلَ قـامتهُ الغـَجـَرية بـينَ نـُجـُوم الـلـيْل
وكانَ الـوَشـْم عـَلى رسـْغـَيه يكـَمـِّل عـَقـْد الـنجـْم
تـَطاول أيـْضاً
أيـْنَ تـُريـد؟
فـعـنقـكَ تـَمتـَد بأكـْثـرَ مـِمَّا قـَسـَمَ الله لـها
قـال كـذلـكَ قـَد خـُلقـَتْ
هـَذا منطـِقُ صـُوفي
أيـنَ تـصـوفـْتَ وجـِسـْمـُكَ يَـنضـَحُ لـَذاتٍ خـُضـرٍ؟
تـَسكـتُ
كـيـفَ تخـمـَّرتَ وأنـتَ مـِن الـطـيـنِ الـفـَجِّ
وتعـشـَقُ طـلعَ الـصُّبـحِ
ولا يـُؤنسـك الـليل بلا جـَسـَد
تـترُكه في الـصُبح
تـلوحُ الأغـصانُ عـَليه وبالـضِّـديـْن يـُضيء
تقـُولُ: دَخَـلتُ حـُدوثَ الضـَوْءِ
في الـعام الأولِ كان الـضـَّوءُ الـمألـوفُ
وبعـدُ ..وبعـدُ !
فـي الـعام الـثالـثِ كان الـضوء الـمسْـتور
وبعـدُ...!
وجاء ظـلام أطفـأ كل قـناديـلي حـتى الـمَوروثة
إذ ذاك تـَلـمسـْتُ طـريقي
عـَثـرتْ قـَدماي بمَـنْ عـَلـمَني
صارَ هـو العـَثـْرةُ
ضَـيعْـتُ مـنَ الـعـُمر طويـلاً كي أنهـِضَهُ عَـبـثاً
فـالجـُثةُ كانـَتْ تـتفـسخُ مـِن أيـنَ أرَدتُ أسَـنـِّدهـا
أعَـثـَرتَ بمـَن عـلـمك أل...؟
أسـَفـاهُ نعـَم
كـيـف؟
كـذلـك ... قـال كـذلـك
هـذا طـَبعُ الأشـْياء
وعـنـدَ الأصـْوات الـخـَارقـَة الإيـقـاعِ يـَشـُذُّ
أوحَـشَـني الـدربُ
وأصبحَ صـدريَ مدخـنـةً في مـَطـر
لا يـُنـْبئ عـن صـَحو
غـَرقـَتْ روحي إلا عـُقـدة عـِشـْقٍ
آنَ إذٍ والـمركبُ يوشـك أن يقـطع رحلـتهُ
أبـرَقَ حـَرفٌ مـن تحـت الـباب مَهـيباً
وأطـلَّ الـرأسُ مـن القـَمرة حـول العيـنيـن
من الـصرف ونـَحـْوِ الكـوفـة أشـكالاً
لا الخـط الثـلـث له هـذا الحـسن له
لا الكوفي ولا الـرُقـْعة أيضاً
ورأيـتُ ثـيابَ العـِشـق تضـيقُ عـلى جـَسَـدي
فـتوضأتُ بـماء الـخـَلـق
أخـَذتُ بهـذي القـيثارةِ
دوزنـتُ عـُقـوداً أربـعة
وشـَددتُ عـلى وجـع المفـتاح الخامـس والـسابع
فاعـْترضَ الـنحـْو الـبصْري عـلي
كـذاك اعـترضَ الـنحـْو الـكوفي
وأجـلـسَ مـن لا أعـرفـُه يعـرفُ نـحـْواً في الـشام
دع الـريح تـُهـَدْهـِدُكَ الهـَدْهـَدةَ الأهـْدأ
نـَذْركَ كـان كـثير الـشـَمع الأحـمـر والآس
ومـَرتْ كـل شـموعـِك مـن تحـْتِ الجـسـْر
وأبعـَدتَّ كـثيـراً في البحـر
فأيـنَ الـبَصْـرة؟
آه صحـيحٌ..أين الـبَصْرة؟
الـبَصْرة بالـنـِّياتِ
لقـدْ خـَلـُصَتْ نـياتي حـتى
وتسـلـقَ في الـليل عـَمى الألـوانِ عـَليهـا
أيـنَ الـبَصْرة؟
مشـتاق بوْصَلـتي تـَزْعـَمُ عـِدةَ بـصـْرات
منـذُ شـُهـورٍ قـَلبي لا يفـْرحُ إلا بـين الـنخـْل
أتسـير ببوصَلة؟
حيـن يـكون لذلـكَ فـائـدة
ما دخـت؟
إذا كـنتُ بلا أمـلٍ
يا صاحـبَ هـَذا الكـَلـَكِ الـمتعب
أنـتَ تسـَميه الـمَركـِبَ
لا بأس عـَليكَ تفاءلْ ما شـئت
أطـلـقْ ما تـَرتـاحُ مـنَ الأسـْماء عـَلـيه
وصِيـفٌ وبـَغى مـُتفـقان عـلى نـفـْط الـبصْرة
والـمُتوكل مـشغولٌ عـن ذاك
بشـامـَةِ حـُسْنٍ في خـِصْيـَته
فـَدع الريحَ تهـَدهـِد هـذا الـمَركب شـَيئاً
واسـْترخ فـما تلـك نهـاية هـذا العالـَم
مـُدَّ ذراعَـكَ
فالشـمـْسُ تـُريح الـجـَسَـدَ المكـْدود
تـمـُدُّ مـُرونـَتها فـيهِ
فـَيصـْبح كالـسـَّعـْفة
والـفـُقـَراءُ المخـْلـوقـونَ من الخـِرَقِ
الـلـيلي وخـَوْفِ الـمـُتـَوكل
بالـسـَّعـْف احـتشـَدوا
مـَلـئـوا بابَ الـبصرة بالـسُـلِّ
وقـد أطفـَأ بـردُ الـلـيل قـنـاديل حـماسـَتهم
كان الـسـَّياب مع الأطـفـال يُحـرك سـَعفـَته
انـتـَظروكَ طـَويـلاً
أرهِـمْ أن السـعفـة تـَنـْفعُ
لا بـأس بجـرعة خـَمـرِ
تخـضـرُّ لـها عـينـاك وتـذَّكـَّر
ها أنـتَ مـصـابـيحـُك تـرتعـش
الرعـشـات الـحـُلوة لـلـسـُّكـْر
وتأخـُذُ كامـِلَ قـُوتـِها
مـاذا سـَتخـَبـِّرُنا؟
أرقـُصُ قـَبلَ الـبـَدْء
أريكـم فـَرَحي
هـا إنـّي أرقـُصُ...أضحـَكُ
هـا إنـّي َ.... إنـّيَ
ثـُمَّ يـصـيرُ الـرقـْصُ وقـوراً
قـاومـْتُ جـَمـيعَ الأطـراف
بهـذي الـسعـفة حـتى بـَريَتْ
رفـعـتُ عـَليها الـرايةَ يا صـِبـية
بـين السـُّفـن المخـصِـيةِ
تَحـمُل سـفـوديـن عـظيـمين
ويـفـتح أحـفاد الـبصرة كـُواة الـنورِ عـليك
فـما أجـمل هـذي الأعـْين يا رَبُّ
وعِـقـدان مِن الـقـَهر وأنـْتَ بهـَذا الـبحـْر
أما أكل الـضَّجـَر المالـحُ جـنبـيكَ؟
تمسـَّكـتُ بهـذي السـعـفة
مـن كان لـه سـعفـته في الـليل سـينجـو
اعـتصموا بالـسـعفِ جـمـيعاً
والوحـشـَة يا قـبـطان أجـِبْنا
كـيف قـدرتَ على الـوحـشـَة؟
تـَزْوي عـينـيك قـليلاً
أوقـدتُّ بها عـِشـقَ الـناسِ
وداويـْتُ ظلامي
يا سـيـد في الـبحر العاصـِفِ
هـل أحـبـبتَ كـذلـك
أكـثر مـما في الأرض
وفي الـيوم الـهادئ
تملـكُ أحـلى الهـمـزات
وأحـلى مـيـمٍ أعـْرفـُها
أنـْصتَ أولاد الـوسـخ الـمتـروك إلـيك
فـأنـت تـُعـلـمُ مثـل نـبي
فـإذا أنـت أتـيـت الـبصرة
أنـكـرك الـحـسن الـبصري
فـآه مـما يتقـَلبُ هـَذا الحـسـَنُ الـبصري
وآه مـما كـشـَفـوا فـَخـذيـك وكانا مـبـتهجـين
كـثـور يتفـرغ لـلإتـيان بحـزب الـسُـلـطة
حـتى شـهـقَ الخـلـقُ وزاغَ الـبصرُ
قـيل معـاذ الله فـما هـذا بـشـر
هـذا مـارَسَ كـلَّ فــسـوق
العـالم بالـسُّـلطة قـدامَ الـجـمهـور
وألـَّبَ حـتى الـدرجات الـمنحـطة جـداً
مـولانـا كـان يـُعلـِّم خـارج مـا عـَلـمَهُ الـكُـهان
وسـفـَّه كُـل مـعـابـدنا
يـا حـضـرة حـاكـمـنا
مـشـتـبه يـَعـشـقُ جـسـرَ الكَـرخ الخَـشَـبي
ولا يعـشَـقُ جـســرَ الـدانـوبِ كـذلـك
وارتـفـعـتْ شـهقـاتٌ مـن غـربِ وشـرقِ الـمجـلـسِ مـنـكـرةً
يَـرتـَكـبُ الـكـُفـر الأمَـمي
يُـخَـوزقُ أعـرافَ الـطـبقـات الـمَـرمـوقـَة
يَـرفعُ خِـصيـةَ ثـَورٍ
يَـهـزأ قُـدام سُـطـور الـسـَّادةِ
والـحـرمِ الجـمهـوري
ويَـشـتـُم تـَكـْيتـنا
قـالوا يـُقـتـلُ .. يـُنـفى
يـُقـتـل؟ لا تـكـفـي هـذه
لا بـد يـُشـوه بعـد الـقـَتـل ثـَلاثـة مَـرات
آهٍ ... صـرخَ الـوزراءُ الـفـأريـونَ
يـدوسُ عـلى ذيـلِ وزيرِ الـنـفـطِ
يُـقـالُ...وزيـرُ الـنفـط لـه ذيل
يـُخـفـيـه بكـيـسٍ أمْـريـكي
ويـصـوتُ ضـدَّ الإرهـاب بـه
مـولانـا...
يَـزعـم أن شـيوخَ أبـو طـبي
والـبَحـريـن ورأسِ الـخـيـمةِ
يـُخـفـونَ ذيـولاً أرفـَعَ مـِن ذَيـلِ الـفـَأرِ
وحـيـنَ يـَخـرونَ سُـجـُوداً لـلـشـاهِ
تـَبـيـنُ قـَلـيلاً مـِن تحـتِ عـَباءتـِهـم
ويُـبـشـرُ بـالـخـازوق
أُخَـوزِقـُكـُمْ
يـا ديـدان أخَـوزقـُكـمْ
اسْـمـَعْ يـا والـي الـبصرةِ
قـال لـنـا يـا ديـدان
وقـال يـُخَـوزِقـُنا
خَـوزقْ .. خَـوزقْ...
صَـرخَ الـمَـصـنوعـون مـن الـجـوعِ
وقـامَ الـخـازوقُ الـباسـلُ
خَـوزقْ .. خـَوزقْ...
هـَاتـوا الملـكَ الـسِّـفـلِسَ
هـذا مَلـك يـَسْـتأنـِسُ بـالـخازوق
وذلـكَ حـزبٌ يَـتخـَوزقُ مُـختـاراً
لا إكـراهَ ولا بـطـيخَ
بـمحـضِ إرادتـِه
يـا سـيدُ .. فـاحـملْ سَـعفـَتـك الآن نـبياً
حـَركْ بـَيتَ العـَقـربِ تـَخـرجُ مُكـرهَـة
يـا حـاكـمـنا
صـاحَـتْ طَائـفـةُ الـخـُلـقـِـيـين
يـُوشـِّي الجـُمـلَ الـرَبانـيةَ فـي الـشِّـعـرِ بـِمُفـرَدَة
يـَخجَـل منـهـا الـمُـعـجَـم
مـاذا أعـمـل؟
إنَّ أشَـدَّ بـَذاءاتِ الـعـَالمِ يـَزدادُ تألـقـُها فـَوقَ لـِحاكـُم
وأضـافَ قـميءٌ عَـفـِن كـان يـُوصْـوصُ بـينَ الـقـَوم
وكـنـتَ تـُفـَرغُ شـُحـنتـَنا الـثـورية
يـا ابـنَ الـشـُّحـَن الـسـَّلـبية
بـَطاريـةُ حـزبـك فـارغـَةٌ مـاذا أعـمـل؟؟
والـتـَفـَتَ الآخـرُ لـَفـْتةَ مَـن فـاجـَأهُ الـحـيـضُ وقـالَ
تـفاهـمتَ معَ الـسـلـطةِ تـَشـتـُمها وتـُورطـُنا
إرْبـَأ أن تـَسـمـَعَ ... واسـتـَعـِذ الله
فـَمهـما قـيـلَ فـأنـتَ تـُعلـمُ مـِثـلَ نـَبي
سَـلمـَكَ الـمِفـتاحَ عـلى الـذمَّة بَحـارُ الـبَحـاريـن
وأعْـطـاكَ الـسَّـعـفَةَ
أعْـطـاكَ طَـريـقَ الـتـَّبانـَةِ
أعْـطـاكَ بـأنْ تـُصبـِحَ طِـفـلاً عـِـنـدَ الـحاجَـة لـِلـعـِبِ
وسَـيـفـاً حـيـنَ يـَجـِدُّ الـجَـدُّ
فـأيُّ الأشـيـاءِ رأيـت؟
وأيُّ الأشـيـاءِ تـرى؟
لـَسـتُ أرى غـيـرَ الـدفـةِ
هَـذا سَـفـَهٌ بـَحـري
إن مَـعـارفـكَ الآن لـَغـامـضةٌ جـداً
وحِـجـابُ الـجـُملةِ أعـْمـاك
ولـكن.. أيـنَ الـبَصْرة يـا مـولاي ؟
ومـا شـَـأنيَ بالـبحـرِ
إذا لا يـوصلـني الـبحـرُ إلـى الـبصرة
لا يـوصلـك الـبحـرُ إلـى الـبصرة
بـلْ يـوصلـُني
لا يـوصِلـك الـبحـرُ إلـى الـبَصْرة
بَـل يـوصِلـني الـبحـرُ إلـى الـبصرة
قـلـنا لا يُـوصلـكَ الـبَحـرُ إلـى الـبَصْرة
أحـمـلُ كـل الـبَحـْر
وأوصـلُ نفـسـي أو تـأتـي الـبصْرة
إنْ شـاءَ الله بـِحـكـْم الـعـِشـقِ وأوصلـها
فـإذا أخـركَ الـطـقـسُ فـَمـاذا بـعـد؟
طـَيـرَ الـوَعـد
تـعـالَ وصَـيحـَتـكَ الـمَـمْـزوجـَةَ بالـفـَجـْر
يـا نـبأ عـَن بـَحـار الـبحاريـن
ومـا صَـنعـتْ عـاصفـة الـجَـزر بـه فـي الـليـل
هـل ارتـابَ القـلـبُ الـمُدمـن؟
أم كـانَ بـه مـا يكـفـيهِ مِـن الـزادِ وعِـلـم الـبحـرِ
وهـَلْ نـسـيَ الـفـردوس الـمفـقـود
وعتاثـت عـَاصـفـةَ الإفـكِ بـأمـجـادِ طـفـولـته
أعـرفُ بـحـارَ الـبحاريـن
وهــيـهـاتَ يـفـارقُ صـدرَ سـفـينـته الـحربـية
رطـشَـهُ الـزَمـَنُ الـسـيءُ بـالـمـلحِ وزيـتِ أصـابـِعـِه
صَـارَ هـو الـلونُ الـمَألـوفُ
لـقـدْ زَعـَمـَتْ سُـفـُـنُ الأقـزامِ تـُرافـِقـُه
وانـكـفـأتْ حـيـنَ رأتـْه عـلى الـمَـوجـة
مـُحـتـفـلاً بـالـغَـضبِ الـكـَوني
ويَـسْـتـلـمُ الـبَـرقَ مِـن الله
وأرقـامَ جـمـيع الـهزات الأرضـية والـرَّعـد
كـان يَلـمُّ الأخـلـصَ مـِن بـحـارة تلـك الأيـامِ
ومَـن فـي الـجـزر وفـي الـجـزر الأقـصـى
قـرأوا الـسَّـنـوات الـمطـلـوبَـة لـلـمَـد
بـَحـار الـبَحـاريـن بـلا حـَد
والـسُّـفـنُ الإيـجَـار لـهـا حـَد
قـالَ وبَـينَ حَـواجِـبه نقـطـةُ حـِبر عَـالـمَـةٌ بـالأنـواءِ
كِـتـابُ الـبَحـْر كـِتـابٌ يـَتغـيـَّر يَـا أحـبـاب سَـفـيـنـتـنا
والـنـوتي الـفـائـقُ مَـن يَـتـنـبأ قـَبـل الـتـغـيـير
وأخـطـاءُ الـنـوتي الـفـائـقِ تـَعـني
أن الـنجـمَ الـقـطـبيَّ يـُغـيـرُ مـَوقـِعـَه
ورثَ الـنـوتـيـة هـذا الـعـِلـم الـمُـتـطامِـنَ جَـداً عـَن جَـدّ
ضَـربَـتْ إحـدى الـمَـوجَـات الـدّفـة
واضـطَـربَ الـمـيـزانُ قـلـيلاً
حـَدّق بـين الـحلـمِ وبـين الـيقـظة
هـذا لـيـلٌ قـَدَري
والـخـَشـَبُ الـمُـتـآكـلُ ضَـرَّسَ أنـيـابَ الأمْـواج
فـألـقـوا الـمِـرسـاةَ فـإنـي آنـسُ نـاراً
وأشـار بـإصـبـعـهِ الـمـتـضخـم
لـلـضـوء الـبـاهـت فـي آخـرة الأفـق
كـأن هـنالـك مـيـناء يـكـمنُ خـلـفَ الـكـون
وكانـت فـي الـمَـركـب ريـح الأصْـقـاعِ الـثـلـجـيةِ
تـَمـسـَحُ وجـهَ الـنـوتـيـة إلا مَـنْ آمَـن
رَبَّ الـنـوتـيـةِ
قـال الـواقِـفُ فـَوقَ الـمَـرقـَب
والـمـطـرُ الأبـيـضُ يـَغـسـلُ بـالـطـهـْرِ نـُبـوءَتـَه
رب الـنوتـيـة واحـمـلْ مـِصـبـاحـَك بـالـعـَشـْرة أرْواحٍ
إن طـَريـقَ الـمـيـنـاء مـُخـيـف
وطـريـقُ الـمـرأَبِ جِـدُّ خـَطـيـرٍ مُـنـْتـَصَـفَ الـلـيـل
وتـَكـثـُرُ فـيـه الأوجـارُ
ونـبـهَ بـحـارٌ أزمَـنَ فـيـه الـبـَحـر
وقـد نـبـَتـتْ مـُنـذُ زمـانِ الـردة
آثـار الـتعـذيـبِ عـلى فـَخـذيـه
خـُذْ سِـكـيـنـَكَ
لا نـأمـنُ هـذا الـسـَّاحـِل
وانـظـر أشـجـارَ دَم الأخـَويـن تـُخـبـرُ أخـْبـاراً فـاجـِعـَةً
فـَالظـلـمَـة فـاحـِشَـةٌ ولـقـد يـَنـقـلـبُ الـلـيـلُ بـرغـْم إرادتـنـا
ويـَهـوذا يـَكـمـُنُ فـي بَعـضِ الـنـاس بـِرغمِ دلالات الخـيـر
نعيـذك يا سـيـد مـركـبـنا
تـجـار الأخـلاق كـثـيـرون فـعجـل
نـزل الـسـيـد
غـاب وراء الـطـرقـات الـمشـبـوهـة يـبحـث عـن درب الـمـرأة
ذلـك لا بـدّ
فـي تلـك الـلـحظـات تـدفـقـت الأشـيـاء
ونـزدم الأخوين وعـلم ثوب النازل في الطرقات المشبوهة
مضطرا
أحد يقتل في هذي الليلة
أو احد ينفي في هذي الليلة
محتمل أن يحصل تغير ما كنا نتوقعه
وحسبنا كل حساب
إلا ان يكون الميناء هو القاتل
إلا ان يصعد هذا الميناء إلى المركب
يغري بعض البحارة ان يلقوا المرساة نهائيا
إلا ان يصبح بعض البحارة مما كنا نأمنهم مشتركين
اطفيء فانوس الخبرة
لا النجوم ولا القمر المعهود أضاء
فالزمر المنحطون تلاقى
تتوزع .. وتنقض وتخرج ثوبك
قلبك كان يحس برودة خنجرها
تلك مؤامرة كشفت
واسر أمين البحارة كانت نارا خادعة
ان كتاب البحر كتاب يتغير يا أحباب سفينتنا
اخرج أوراقا باهتة أكل الدهر عليها
وتفحص خارطتين معتقتين فضيعتاه
قال إله الليل تظنون ظنونا خاطئة
سفن الثورة تسطع مبحرة
فإذا وقفت يمتد إليها الميناء
أجاب السيد يا رب هو الماء
لقد دخل الماء سفينتنا
سفن المخلص لا تغرق بالماء
يقول الرب بل القلب إذا ارتاب بقدرته
والروح إذا تعبت
أرسل بحار البحارين فراسته
عجم البحر
قلب قرآن الله وإنجيل الله ورأس المال طويلا
فرأى الدب الأبيض والدب الأشقر والثعبان
وبعض البحارة متفقين على اللعب بلحيته
اقسم بالشعب وبالأيام الصعبة قاطبة
ليقاتلهم حتى يصل المركب ثانية
أو يهلك منتصرا
أبلى في الليل بلاء حسنا
قاوم عقدين وبضعة أيام موحشة
وأحس دوارا منذ شهور ينزف
والعمر تقدم بالمبحر
واختلط البر ...البحر... الغيم ... النجم ... الأم ... الليل
وألقى المتفقون القبض على قبضته
وأزبد من أزبد
أرعد من أرعد
واستحملت السلطة أنك سوف تطيع
واحضر في الليل صليبا ورفعت عليه
فما أحلاك أضفت إلى السكة فانوسا
اعرف أنك تبكي منفردا
أين البصرة يا رب...؟
صرخت ... أما وصلت؟
وسمعت ضجيجا وسخا طيلة تلك الليلة
كنت تعاني الموت
وكانوا يحتفلون
وقد سلبوا المركب والبوصلة الدرية
واعتقلوا البحارة
جاءوك صباحا بالصفقة ثانية
ثانية أنت من التعذيب بصقت عليهم
آذوك طويلا
منعوك ترى جسر الكرخ الخشبي
فما أتفههم
انزل في ظلمة قبو لا تأمن فيه العقرب صاحبها
أنعش بالمسك وقيل
نريد بك الخير فما لك لا تأمن
خذ ما شئت من الميناء
أعرنا المركب والبوصلة الدرية
نوصل أموال أبي العباس السفاح
فان أمير البصرة منتظر والجامعة العربية منتظرون
معاذ الله يكون الخصية في المركب
جميل يا سيد
يا سيف النظرات
جميل أنت .. بهي أنت ... عظيم أنت
وحين وقفت على الأرض بكل ثبات
وجميل أنت .. جميل حين بصقت على الصفقة
واستحليت ثباتك فازددت ثباتا .. ثبتك الله
منعوا صوتك ما أتفههم
زعموا أنك مجنون ... معتوه .. صوفي وشيوعي
كيف جميعا
ما أتفههم... ما أتفههم
حملوا الميناء وبيت المال ورايتك الحمراء
ودست الباذنجان كذلك
فكيف جميعا
قال الجرد ذو الشيب المصبوغ لإخفاء الصفقة
تبقى جسدا للبوم وللغربان ونبحر دونك
فاقبل قبل فوات الفرصة صفقتنا
شارك في الحل السلمي قليلا
أولاد القحبة كيف قليل
نصف لواط يعني
امتعضت روحك
كنت كمن يجبر أن يأكل فأرا
هاج البحر وكشرت الأهوال
وكادت ريح قادرة ان تقلب كل مفاهيم البحر
وصار الدولاب يدور عليهم
والدفة توشك ان تقلب من يمسك عصمتها
ارتبكوا وأحاق المكر بهم وأسروا
ألقوا المرساة نساوم هذا القذر المفزع ثانية
جهلوا مولاي مزاج البحر
وأما البوصلة الدرية فانطفأت ضاحكة
وقفوا بين يديك
وكان العرق القطري يوسخهم
قالوا بالوحدة
لكن زادوا القطرية ذيلا قبليا
ورأيت الزبد الأبيض يذبل فوق كواهلهم
. صعب الأمر عليك
تشوقت الى الوقفة فوق الدفة منفردا وحدك
يعلو الدولاب لعزم يديك
ووحدك تبحر في الليل وليس لديك صليب أو صنم
رايتك السعفة
والموج يقبل جأشك
فاقتربوا من قدميك وصاحوا والريح تغالبهم
بحار البحاران
لك الثلث من المركب
إن أوصلت حمولتنا
ويقول المالك
يبقيك ومن شئت من النوتي في خدمته أبدا
وتفردت بهم
أولاد الإفك يبيعونك نصف سفينة عمرك
ثم يمنون عليك بان تخدم سيدهم
ابصق ثانية
هذا والله مكان البصقة.. فابصق ..تبكي غضبا
يلعن كل مباغي البصرة في العصر الجمهوري الجائر
قد منعوك ترى جسر الكرخ الخشبي
وهذي السنوات التسع قد صهرتك من الحزن
وقالوا صوتك يخدش أخلاق الجمهورية
خافاك الله بقاؤك محض بقائك يفضحهم
ما ظل سوى حبل يتحلق حول خناقك
والقلب وراء ضباب البحر
يدخل كل الليل علمة عشق ووجود
فإذا احتد عليه الشوق سيشتعل
ولقد يفتك بالبحار أريج مبالغ
وأوار الحمى ينكث روحك . والريح
ومال المركب للهوة بعد الهوة
يا سيد فانشر روحك في الخشب الخائف
إن مزاج الكون سيعتدل

Sunday, July 27, 2008

قصيدة مرثية للشهيد سلام عادل - مظفر النواب










مظفر النواب

مرثية للشهيد سلام عادل


لحظة أن سَـمَلوا عينيك العاشقتين
أضاء النفق المظلم بالعشق الأحمر
واحتـُضِر الموت
قال رفاقك لم تتوجع
إلا رجفة صبر
وتوجعَ مما غارَ السفودَ بعينيك
الكونُ وصاحَ الصمت
أدرتَ عماك المبصرَ للشعب
أعطيتَ بيانَ الصمت
وتقويمك فاجتمع الوقت
قال الشاهدُ كنتَ كطفل يبحث عن شيء
وضحكتَ لمجهول
هذا المجهولُ أخافَ الجلادين
رأوا أنكَ كالطودِ الشامخ لم تهوِ
قبّل جبهتك النجف الأشرف وارتفع البيت
آن إذن صمتك كان سقوطَهم سلفاَ
لم يحتملوا أن تنظر بالسفودين إليهم
واقتادوك وظلَّ المشهدُ
ظلَّ مكانُك منتصب القامة
أرعبهم أن عماك يضاعف عينيك بدون حدود
أخذوك إلى الليل وهم يرتجفون كأنكَ أنتَ تعاقبهم
فعلا أنت تعاقبهم
فعلا أنت نهايتهم
لا نعرف أين دفنت
ولكن نسمع صوتك في الأمطار
وبين شجيرات الرمان
وأعشاش حفاة العمال
وساعة يولد للبصرة مولود
والآن لدي استفسار شرس
كيف امتدت باسم الشعب يدٌ
لتصافح من غرس السفود بعينيك
صافحتِ السفلة
غسلوا كف القاتل من عينيك
وبعض قـبـّل مثل كتاب الله يديك
لابد مسحتهم من تاريخ بلاد النهرين
وستمطر يا سيد يا نائم في المجهول بلا عينين
يظهر قبرك بين العشب
وتنزل قطرة طل
أبدعها الصبح لبؤبؤ عينيك الحالمتين
نقف الآن بإجلال ليس لأن الفولاذ شيوعي
ليس لأن مكانك يزداد شموخاً منذ ثلاثين سنة
لكن حين استفردت وصاح السفود بعينيك
رشفت الصبر بصبر
واتجهت بوصلتا عينيك الداميتين إلى الشعب




Thursday, July 24, 2008

قصيدة يُقطّر منه العرق - مظفر النواب









مظفر النواب

يقطّر منه العرق

وأرجوحة بين نخل العراق القمر
أشتهي صغري لأنام بها
في فمي نجمة من حليب
ودجلة تجري كطعم النساء
أبوح يدي عندهن وأذرف ريقي
بإحدى السرر
وأرمي اشتهائي
شباكاً مقطعةً لا تصيد لإني متهم بالنـَهـَر
نذوب فتنهل منّا الطيور أغاريد للصبح
تغري النهار يبكـِّر بالعاريات إلى خصرهن
يَردْنَ الجرارَ فسيقانهنَّ الصباحُ
وأفخاذهن السحر
كأني مراياه طوراً يرى نفسه في خضمي
وطوراً يهدهدني في خضم عذوبته
ويدلّي النجوم على جبهتي
وكأني مهد الخليقة منذ الصغر
يخبئني بالنخيل وبالشرفات تبوح
إلى الله بالياسمين إذا فاجأت عرينا
زقزقات المطر
أذوق عطور نهود الصبايا وأفخاذهن به في خشوع
ويحكي خفائا لهن بأني اشتهاء يذيب الحجر
ومما ترقرق روحي توهموا نهرا جديدا بأرض العراق
الزرازير والقبرات
وزقزقن حقا وشكا ودوخن بالزقزقات الشجر
وينشر أحلى مظلاته الليل
سترا على عاشقين
وعريا بغمز النجوم
فإن بالغ العري غطى الظلام على نصف بحر القمر
أرجحتني على الكون أمي كحلم النوارس
فالتبس الله عندي بكل البشر
للصبايا روين الجرار
بدجلة أشياء لا ترتوي
مثلما يعطش الليل
أو ذئبة جامعت نفسها بانتصاب العبق
يضرب النهر ما بين أفخاذهن
ويأخذ أرثاغهن تموج إلى الروح يشحنها بالغرق
ربما استغفرت لي رعونة غطسي الطفولي
أظهر من تحت أثوابهن أرى
قبة الكون مقلوبة فاض عنها
الشبق
فوق مئذنتين من الطلع
قد ضكتا فاشرئب الفلق
أه لو أنني قد بقيت على الغطس
يولد وجهي بتلك الخيام الصغيرة
فوق المياه
يرجرجني رجهن ويبعث فيّ أنيس القلق
عالم أخذته المياه وأطفأ شمعاته في هدوء
مضى في ظلام السنين
ومازلت أجري على ضفة النهر
أتبعه قدماي ضباب
وقد أوشك الفجر
والتبس الله عندي بطيب الحبق
كيف لا يولد الناس في الرافدين سكارى
وكل الذي في العراق يقطر منه العرق