Sunday, July 27, 2008

قصيدة مرثية للشهيد سلام عادل - مظفر النواب










مظفر النواب

مرثية للشهيد سلام عادل


لحظة أن سَـمَلوا عينيك العاشقتين
أضاء النفق المظلم بالعشق الأحمر
واحتـُضِر الموت
قال رفاقك لم تتوجع
إلا رجفة صبر
وتوجعَ مما غارَ السفودَ بعينيك
الكونُ وصاحَ الصمت
أدرتَ عماك المبصرَ للشعب
أعطيتَ بيانَ الصمت
وتقويمك فاجتمع الوقت
قال الشاهدُ كنتَ كطفل يبحث عن شيء
وضحكتَ لمجهول
هذا المجهولُ أخافَ الجلادين
رأوا أنكَ كالطودِ الشامخ لم تهوِ
قبّل جبهتك النجف الأشرف وارتفع البيت
آن إذن صمتك كان سقوطَهم سلفاَ
لم يحتملوا أن تنظر بالسفودين إليهم
واقتادوك وظلَّ المشهدُ
ظلَّ مكانُك منتصب القامة
أرعبهم أن عماك يضاعف عينيك بدون حدود
أخذوك إلى الليل وهم يرتجفون كأنكَ أنتَ تعاقبهم
فعلا أنت تعاقبهم
فعلا أنت نهايتهم
لا نعرف أين دفنت
ولكن نسمع صوتك في الأمطار
وبين شجيرات الرمان
وأعشاش حفاة العمال
وساعة يولد للبصرة مولود
والآن لدي استفسار شرس
كيف امتدت باسم الشعب يدٌ
لتصافح من غرس السفود بعينيك
صافحتِ السفلة
غسلوا كف القاتل من عينيك
وبعض قـبـّل مثل كتاب الله يديك
لابد مسحتهم من تاريخ بلاد النهرين
وستمطر يا سيد يا نائم في المجهول بلا عينين
يظهر قبرك بين العشب
وتنزل قطرة طل
أبدعها الصبح لبؤبؤ عينيك الحالمتين
نقف الآن بإجلال ليس لأن الفولاذ شيوعي
ليس لأن مكانك يزداد شموخاً منذ ثلاثين سنة
لكن حين استفردت وصاح السفود بعينيك
رشفت الصبر بصبر
واتجهت بوصلتا عينيك الداميتين إلى الشعب




Thursday, July 24, 2008

قصيدة يُقطّر منه العرق - مظفر النواب









مظفر النواب

يقطّر منه العرق

وأرجوحة بين نخل العراق القمر
أشتهي صغري لأنام بها
في فمي نجمة من حليب
ودجلة تجري كطعم النساء
أبوح يدي عندهن وأذرف ريقي
بإحدى السرر
وأرمي اشتهائي
شباكاً مقطعةً لا تصيد لإني متهم بالنـَهـَر
نذوب فتنهل منّا الطيور أغاريد للصبح
تغري النهار يبكـِّر بالعاريات إلى خصرهن
يَردْنَ الجرارَ فسيقانهنَّ الصباحُ
وأفخاذهن السحر
كأني مراياه طوراً يرى نفسه في خضمي
وطوراً يهدهدني في خضم عذوبته
ويدلّي النجوم على جبهتي
وكأني مهد الخليقة منذ الصغر
يخبئني بالنخيل وبالشرفات تبوح
إلى الله بالياسمين إذا فاجأت عرينا
زقزقات المطر
أذوق عطور نهود الصبايا وأفخاذهن به في خشوع
ويحكي خفائا لهن بأني اشتهاء يذيب الحجر
ومما ترقرق روحي توهموا نهرا جديدا بأرض العراق
الزرازير والقبرات
وزقزقن حقا وشكا ودوخن بالزقزقات الشجر
وينشر أحلى مظلاته الليل
سترا على عاشقين
وعريا بغمز النجوم
فإن بالغ العري غطى الظلام على نصف بحر القمر
أرجحتني على الكون أمي كحلم النوارس
فالتبس الله عندي بكل البشر
للصبايا روين الجرار
بدجلة أشياء لا ترتوي
مثلما يعطش الليل
أو ذئبة جامعت نفسها بانتصاب العبق
يضرب النهر ما بين أفخاذهن
ويأخذ أرثاغهن تموج إلى الروح يشحنها بالغرق
ربما استغفرت لي رعونة غطسي الطفولي
أظهر من تحت أثوابهن أرى
قبة الكون مقلوبة فاض عنها
الشبق
فوق مئذنتين من الطلع
قد ضكتا فاشرئب الفلق
أه لو أنني قد بقيت على الغطس
يولد وجهي بتلك الخيام الصغيرة
فوق المياه
يرجرجني رجهن ويبعث فيّ أنيس القلق
عالم أخذته المياه وأطفأ شمعاته في هدوء
مضى في ظلام السنين
ومازلت أجري على ضفة النهر
أتبعه قدماي ضباب
وقد أوشك الفجر
والتبس الله عندي بطيب الحبق
كيف لا يولد الناس في الرافدين سكارى
وكل الذي في العراق يقطر منه العرق